سيتذكر الناس شيئين عن موسم التسلق في ربيع عام 2019 على جبل إيفرست. الأول هو حصيلة القتلى التي بلغت حتى يوم 28 مايو 11 قتيلا. والثاني هو الصورة التي التقطت بالقرب من القمة يوم 22 مايو وفيها اصطف عشرات المتسلقين على حافة تحت القمة مباشرة ينتظرون فرصة الوقوف على قمة أعلى جبل في العالم. فقد حدث بالفعل تكدس مروري على ارتفاع قاتل تقل فيه نسبة الأوكسجين.
المأساة أن لا شيء من هذا جديد. فعلى مدار سنوات، تم توثيق الزحام على جبل إيفرست. وهي مشكلة تصاحب حقيقة أن الجبل يمثل مصدراً رئيسيا للعائدات لنيبال. والإصلاحات التي تقيد عدد المتسلقين والقائمين بالرحلات الجبلية الذين يدفعون مالا مقابل هذا لن تحقق على الأرجح الكثير من التقدم أمام العائدات الاقتصادية المتولدة عن زيادة عدد المتسلقين. بل يجب على نيبال أن تسعى لدعوة القطاع الخاص للمساعدة في إدارة إيفرست والقمم الجبلية الأخرى. فإخضاع المنطقة لنمط تجاري هو أفضل وسيلة لدعم السلامة.
والأرباح المحتملة كثيرة. ونيبال دولة حبيسة نامية حصلت على 643 مليون دولار من السياحة في السنة المالية 2017-2018 أو ما يعادل 3.5% من الإنتاج المحلي الإجمالي. وقطاع التصدير لديها حقق 721 مليون دولار في الفترة نفسها لكن السياحة نمت بشكل أسرع. فلا غرابة أن ترغب الحكومة في تعزيز النشاط وبسرعة. وتستهدف الحكومة الوصول إلى مليوني وافد بحلول عام 2020 صعودا من مليون وافد عام 2017. وجبل إيفرست محوري لتحقيق هذا الهدف. وتقديم صورة لإيفرست باعتباره مكانا آمنا وغير مزدحم بينما نشر قصص عن أن الجبل ومحيطه مزدحم بالمتسلقين والسياح الآخرين سيجعل الوافدين المحتملين يصرفون النظر عن التوجه إلى البلاد. وعلى سبيل المثال، انخفض إجمالي عدد السياح، بعد موسم التسلق عام 2012 الذي لقي فيه 12 متسلقا حتفهم وهو أعلى رقم منذ عام 1996. وعدد الوفيات الكبير عام 2012 يرجع في جانب منه إلى الاختناق قرب قمة الجبل. لكن هذا لم يكن المشكلة الوحيدة، ففي عام 2014 أشارت أنشطة اقتصادية نيبالية مهتمة بالسياحة إلى مشكلات تتعلق بعدم ملائمة اللوائح والترويج والبنية التحتية.
والجدير بالذكر أنه في تسعينيات القرن الماضي، بدأت الحكومة النيبالية في زيادة عدد تصاريح التسلق. وعلى مدار عقدين حصلت شركات غربية عالية الخبرة برحلات الاستكشاف على معظم هذه التصاريح. وكان بين موظفي الشركات الغربية التي كانت تكلف رحلاتها أموالا طائلة نيباليون من قبائل «شيربا» الجبلية بدؤوا في منتصف هذا العقد ينافسون على الزبائن في الأسعار. فما كان يكلف المتسلق 70 ألف دولار أصبح متاحاً الآن مقابل ثلث هذا المبلغ. ومع انخفاض الأسعار وتصاعد المنافسة تكاثر المرشدون غير المؤهلين وتكاثر المتسلقون غير المؤهلين الذين اجتذبتهم الأسعار المنخفضة.
وبحثت الحكومة عام 2014 خطة لتأجير القمم التي لم يجر تسلقها في جبال الهمالايا إلى شركات خاصة تديرها وتجمع رسوما من المتسلقين. وكان الغرض من الفكرة اجتذاب المتسلقين بعيداً عن إيفرست ودعم السياحة في مناطق أخرى وتحويل عبء الإدارة إلى جهات لها حوافز مالية في الإبقاء على البيئة آمنة ونظيفة وصديقة. ولم يتمخض شيء عن هذه الفكرة رغم الدعم من صناعة تسلق الجبال في نيبال. ويجب ألا يكون هذا النهاية. ويجب على نيبال أن تنعش المقترح وتوسعه ليشمل إيفرست والقمم الأخرى التي تتمتع بإقبال عليها.
وهناك عدة وسائل لتحقيق هذا، أبرزها طرح امتيازات تحصل بموجبها مجموعة من شركات الإدارة المؤهلة على حقوق إرشاد الرحلات الاستكشافية. ويمكن تقليص عدد شركات الإدارة المؤهلة جيداً بحيث ترتفع قيمة رسوم التسلق، ما يعزز عائدات الحكومة المحلية، بينما يقلل عدد المتسلقين ويعزز معايير السلامة. والنهج الأكثر طموحاً قد يتمثل في تقديم امتيازات للشركات الخاصة لجبال بكاملها أو للمعسكرات عند سفوح الجبال. وعلى سبيل المثال، تستطيع حكومة نيبال تأجير معسكر سفح إيفرست لشركة خاصة مقابل رسوم حق الامتياز يجري جمعها من خلال عائدات التسلق والرحلات. وينتظر في المقابل من الشركات الخاصة أن تحقق أهداف الأمان والاستدامة والترويج.
ويجري بالفعل السعي وراء تحقيق هذه الأهداف في الجانب الصيني من إيفرست. ففي السنوات القليلة الماضية قيدت الحكومة الصينية عدد المتسلقين وزادت الرسوم وحسنت البنية التحتية وشددت الشروط على شركات الرحلات الاستكشافية. ويعتقد بعض المرشدين على الأقل الآن أن الجانب الصيني أكثر سلامة. وإذا لم تستطع نيبال تحسين سمعتها في إدارة إيفرست فلا مفر من أن تخسر المنافسة.
آدم منتر
كاتب متخصص في الشؤون الآسيوية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»